ما بين عامي 1861 و1865، عاشت الولايات المتحدة الأميركية على وقع الحرب الأهلية التي مثلت أكبر نزاع دموي بتاريخ البلاد حيث أسفرت سنوات القتال بين قوات الإتحاد والكونفدرالية عن مقتل ما يزيد عن 600 ألف شخص. وبعد مضي بضعة سنوات عن نهاية هذه الفترة العصيبة من التاريخ الأميركي، تابع الأميركيون عن كثب وقائع فضيحة مالية هزت البلاد وعرفت بفضيحة كريدي موبيلييه (Crédit Mobilier). وقد جاءت هذه الفضيحة حينها لتغير الخريطة السياسية بالبلاد وتعصف بالمستقبل السياسي للعديد من كبار الساسة الأميركيين.
مؤسسة احتيالية
إلى ذلك، سجلت مؤسسة كريدي موبيلييه، التي اقتبس اسمها من بنك كريدي موبيلييه الفرنسي، ظهورها خلال ستينيات القرن التاسع عشر بهدف تشييد مشروع خطوط سكك حديدية تابعة لمؤسسة يونيون باسيفيك (Union Pacific Railroad). وما بين عامي 1864 و1867، قادت كريدي موبيلييه مخططا احتياليا تورط به عدد كبير من المسؤولين بمؤسسة يونيون باسيفيك للسكك الحديدية. وعلى حسب التقديرات، اختلس المسؤولون مبلغا يعادل 44 مليون دولار، أي ما يقارب 825 مليون دولار بالفترة الحالية، عن طريق التلاعب بالعقود ورفع تكاليف البناء ومنح الرشاوي لعدد من كبار المسؤولين السياسيين.
وفي الأثناء، قاد المسؤول بمؤسسة يونيون باسيفيك توماس دورانت (Thomas C. Durant) مجموعة المستثمرين والمسؤولين بكريدي موبيلييه. وقد عمل الأخير رفقة النائب الجمهوري عن ولاية ماساتشوستس أوكس آمس (Oakes Ames) لبيع نسبة من الأسهم بكريدي موبيلييه لعدد من النواب بالكونجرس الأميركي. وقد تضمنت قائمة المستفيدين حينها الناطق باسم مجلس النواب، ونائب الرئيس يوليسيس غرانت، سكايلر كولفاكس (Schuyler Colfax). ومقابل حصولهم على أسهم بأسعار رمزية، وافق هؤلاء النواب الأميركيون حينها على إخفاء حقيقة مؤسسة كريدي موبيلييه عن الرقابة الفيدرالية التي لم تشكك بادئ الأمر في نزاهتها.
كشف فضيحة كريدي موبيلييه
بسبب رفض أوكس آمس منحه عددا من الأسهم، اتجه المستثمر هنري ماككومب (Henry S. McComb) لكشف حقيقة كريدي موبيلييه لصحيفة نيويورك سان (New York Sun) التي نشرت يوم 4 أيلول/سبتمبر 1872 تقريرا مفصلا عما عرف بفضيحة كريدي موبيلييه.
وعلى حسب تصريحات ماككومب، اختلس المستثمرون بكريدي موبيلييه عشرات ملايين الدولارات عقب تلاعبهم بقيمة عقود تشييد خطوط السكك الحديدية.
مع تزايد الغضب الشعبي، شكل الكونجرس الأميركي لجنة للتحقيق مع 13 نائبا بمجلسي النواب والشيوخ. ومع نهاية التحقيقات، وبّخ الكونجرس الأميركي عام 1873 كل من أوكس آمس وزميله النائب الديمقراطي عن ولاية نيويورك جيمس بروكس (James Brooks) بتهمة استغلال المنصب لتحصيل الثروة. وفي المقابل، تمت تبرئة بقية المتهمين الذين تواجد ضمنهم سكايلر كولفاكس والرئيس المستقبلي جيمس غارفيلد (James A. Garfield).
خلال العام 1872، حقق الرئيس غرانت النصر بالسباق نحو الأبيض. وبسبب فضيحة كريدي موبيلييه، فقد الأميركيون بتلك الفترة الثقة بالعديد من السياسيين البارزين واتجهوا لتوخي الحذر من سياسة الحكومات الأميركية.
More Stories
بالصور: بيت الصحافة يختتم دورة “الصحافة الصوتية والبودكاست”
البرلمان العربي يدعو لوقف فوري لحرب الإبادة في غزة
مساعدات إنسانية تتحوّل إلى فخ للموت